صندوق الأمم المتحدة للسكان: التغيير الديمغرافي يحتاج سياسات شاملة
حذّر صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقريره السنوي لعام 2025 بعنوان "التحديات الحقيقية في مجال الخصوبة: السعي نحو تحقيق الصحة الجنسية والإنجابية في عالم متغير" من أزمة صامتة يعيشها ملايين الأشخاص حول العالم، تتمثل في عدم قدرتهم على اتخاذ قراراتهم المتعلقة بالإنجاب بحرية ووعي، رغم ما تحقق من تقدم في مجالات التنمية والصحة العامة.
ويشير التقرير الذي تحصلت موزاييك على نسخة منه إلى أن النقاشات العالمية حول قضايا السكان لا تزال تدور بين مخاوف "الانفجار السكاني وقلق الانهيار السكاني"، بينما تتجاهل القضية الحقيقية وهي أن كثيراً من النساء والرجال لا يستطيعون تحقيق رغباتهم الإنجابية بسبب عوائق اقتصادية واجتماعية وصحية تحول دون ذلك.
نتائج استطلاع رأي
ويعرض التقرير نتائج استطلاع رأي أجراه الصندوق بالتعاون مع شركة “يوغوف” الدولية شمل أكثر من 14 ألف شخص في 14 دولة، كشفت نتائجه أن نحو ثلث المشاركين مرّوا بتجارب حمل غير مقصود، وأن حوالي ربعهم أرادوا إنجاب أطفال لكنهم لم يتمكنوا من ذلك في الوقت الذي رغبوا فيه.
وأوضح الاستطلاع أن القيود المالية تشكل العائق الأكبر أمام تحقيق الأفراد لتطلعاتهم الإنجابية، إلى جانب عوامل أخرى مثل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة وضعف خدمات الرعاية الصحية، فضلاً عن المخاوف المتزايدة من الأزمات البيئية والسياسية التي تجعل قرار الإنجاب أكثر تعقيداً.
خفض أو رفع معدلات الخصوبة
وأكّد التقرير أن السياسات السكانية التقليدية التي ركزت على خفض أو رفع معدلات الخصوبة لم تحقق النتائج المرجوة، بل تسببت أحياناً في انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن الحل الحقيقي يكمن في تمكين الأفراد من اتخاذ قراراتهم بحرية تامة بشأن أجسادهم وحياتهم الأسرية.
وشدد الصندوق على أهمية توفير بيئات قانونية واقتصادية واجتماعية تتيح للجميع الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وإنهاء أشكال العنف والتمييز التي تحد من حرية الاختيار.
استقرار الأسر ونمو الاقتصادات
واعتبر التقرير أن تمكين النساء من السيطرة على قرارات الإنجاب لا يسهم فقط في تحسين أوضاعهن الصحية والاجتماعية، بل ينعكس إيجاباً على استقرار الأسر ونمو الاقتصادات الوطنية. فكلما أتيحت للنساء والرجال فرص متكافئة للتعليم والعمل والرعاية، أصبح اتخاذ القرار بشأن الإنجاب خياراً واعياً ومسؤولاً لا يخضع للضغوط أو الإكراه، وفقا لنفس التقرير.
وفي شهادات تضمنها التقرير، عبّر شباب من مختلف البلدان عن ترددهم في إنجاب الأطفال في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات بيئية وصراعات وحروب.
إعادة التفكير في السياسات السكانية
وأكدت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة ناتاليا كانيم، في مقدمة التقرير أن الوقت قد حان لإعادة التفكير في السياسات السكانية من منظور حقوق الإنسان، وأن على الحكومات أن تبدأ بسؤال بسيط: “ما الذي يريده الناس فعلاً؟”.
وأضافت ناتاليا كانيم، أن الهدف ليس زيادة عدد المواليد أو خفضه، بل ضمان أن يتمكن كل شخص من الاختيار بحرية وكرامة متى وكيف يرغب في الإنجاب، وفي أي بيئة يرى أنها تحقق له ولأسرته مستقبلاً أفضل.
ويخلص التقرير إلى أن مستقبل البشرية لا يُقاس بعدد السكان، بل بقدرتهم على العيش بكرامة، وبما يُتاح لهم من فرص لاتخاذ قراراتهم المصيرية بعيداً عن القيود والخوف. فالصحة الجنسية والإنجابية ليست قضية أرقام، بل قضية حقوق وإنسانية يجب أن تكون في صميم أي سياسة تنموية في عالم سريع التغير، وفق ما كشفه التقرير .
صلاح الدين كريمي